{saudioplayer}/documents/audio/books-saed/tawhid/tawhid-12.mp3{/saudioplayer}
مسيرة الإنسانية على هذه الأرض
بين الشرك والكفر والتوحيد
لابد في التوحيد من العدل أي وضع الشيء في موضعه فلا إفراط ولا تفريط ، وكلا الحالـين ( الإفراط والتفريط ) باطل .
لأن الإفراط : في حدود التوحيد يؤدي بالإنسان إلى التعطيل والخروج عن التوحيد ؛ لأن نكران معرفته سبحانه هو بعينه نكرانه سبحانه ، ولا يعرف سبحانه وتعالى إلا بوجهه الذي واجه به خلقه وهم حججه (عليهم السلام) الأنبياء والأوصياء ، وهذا ( الإفراط ) في الواقع كفر وشرك وإن لم يصرح به من يعتقده فهو كفر ؛ لأن الكفر هو الستر وتغطية الحقيقة وحجبها ، وهؤلاء المفرِطون يغطون حقيقة الأنبياء والأوصياء ويحجبونها وينكرونها فهم كافرون بها ، ولما كانت هذه الحقيقة هي وجه الله الذي به يعرف ([1]) كان هؤلاء كافرين بالله في حقيقتهم وواقعهم وكل بحسبه يتدرجون في مراتب الكفر .
وفي أدنى مراتب هذا الإنكار لحقيقة الأنبياء والأوصياء يفقد الإنسان مراتب معرفة بالله ومراتب كمال ، وأعظم مراتب إنكار حقيقتهم (عليهم السلام) يؤدي بالإنسان إلى الجهل بالله سبحانه وتعالى ؛ لأنه سبحانه بهم يعرف .
ويخرج الإنسان عن ولايتهم (عليهم السلام) ، فيخرج بذلك عن ولاية الله سبحانه وتعالى ، فيكون كافراً بالله سبحانه ؛ لأنه كفر بالطريق الموصل إليه وإلى معرفته سبحانه ، فلا ينفعه ادعاء الإيمان بالله وهو قد أعرض عن الطريق الموصل إلى الله وتنكب السبل المؤدية إلى الشيطان ، وكمثال على هذا الأمر : لو كان هناك مزرعة ومزبلة وطريق رقم واحد يؤدي إلى المزرعة ورقم اثنين يؤدي إلى المزبلة ، فوجدت شخصاً يسير على طريق رقم اثنين ومع هذا يدعي أنه ذاهب إلى المزرعة فبماذا تصفه ؟ أظن أقل ما يمكن أن تصفه به أنه كذاب ويخفي ويستر الحقيقة ، أي يكفرها بل ويحاول خداع غيره .
وهو أيضاً ( أي الإفراط ) شرك ؛ لأن من يساوي حجج الله وهم الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) بمن سواهم يكون قد ساوى وجه الله وأسماءه الحسنى بعامة خلقه ، حيث إنهم (عليهم السلام) وجه الله الذي واجه به خلقه وأسماؤه الحسنى في الخلق ، فتسويتهم بمن سواهم في أدنى مراتبها يؤدي بالإنسان إلى فقدان مرتبة كمال ومعرفة بالله سبحانه .
أما في أعظم مراتب تسويتهم بمن سواهم ، فإنه يؤدي بالإنسان إلى الجهل بالله سبحانه وتعالى ؛ لأن هذا الإنسان جهلهم ومن جهلهم جهل الله ، فتسويتهم بمن سواهم شرك بكل مراتبها ، كما أن إنكارهم كفر بكل مراتبه ([2]).
أما التفريط : فيؤدي بالإنسان إلى الشرك ؛ لأنه يعطي للأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) - وهم وجه الله - مرتبة الألوهية المطلقة والاستقلال عن الله سبحانه وتعالى والغنى عنه سبحانه .
وهو أيضاً كفر لأنه يؤدي بالإنسان إلى ستر وتغطية حقيقة الله سبحانه وتعالى وحجبها ؛ لأنه ساواه بمن سواه من خلقه والله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء ، وكل من سواه خلقه سبحانه وتعالى ﴿ فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجاً يَذْرَأُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ ([3]).
فالإنسانية على هذه الأرض ترددت في هذه المراتب الأربعة من الشرك والكفر ، فكل بني آدم مشمولون بهذه المراتب الأربعة من الشرك والكفر إلا عباد الله المخلصين ، وهم الأنبياء والأوصياء ومن تابعهم وتغذى بعلومهم الإلهية التامة ، حتى وصل إلى مراتب الإيمان العشرة ، ومراتب المعرفة العشرة ، وهم قلة لا تكاد تذكر على مدى مسيرة الإنسانية ، ولم ينقل هؤلاء الأولياء هذه المعرفة الإلهية ولم يرووها عن الأنبياء والأوصياء لأنهم منعوهم من ذلك ([4])، حيث إن الناس ( وحتى من يؤمن بهم (عليهم السلام) ) لا طاقة لهم على حملها ، فلم يُبث بين الناس إلا حرفان .
واليوم بدأت هذه السبعة والعشرون حرفاً من العلم تبث بين الناس - ليؤمن بها من يؤمن بالقائم ، ويكفر بها من يكفر بالقائم - لحضور أهلها وحملتها في هذا الزمان المبارك وهم أصحاب القائم ، والحمد لله وحده .
ومن المناسب أن نعرض إلى الانحراف الذي أدى بأناس إلى الشرك التام أو الكفر التام في كلتي حالتي الإفراط والتفريط في حدود التوحيد من خلال أمثلة من الأديان والمذاهب .
[1]- ( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ) الرحمن :26-27.
[2]- مع أن الكلام واضح ، ولكن للبيان أكثر أقول : ليس كل مراتب الكفر والشرك تُخرج الانسان من ربقة الايمان .
[3]- الشورى : 11.
[4]- راجع الملحق رقم (1) .