{saudioplayer}/documents/audio/books-saed/tawhid/tawhid-08.mp3{/saudioplayer}
الله في الخلق
لما خلق الخلق سبحانه وتعالى واجههم بالأسماء والصفات ، وهذه هي مدينة الكمالات الإلهية أو الذات أو الله ، وهذا الاسم أطلق على تجلي وظهور الحقيقة للخلق فهو ليس الحقيقة بل حجاب الحقيقة ، فالحقيقة : هي الاسم الأعظم الأعظم الأعظم ، وهذا الاسم قريب من الاسم الأعظم كقرب سواد العين من بياضها كما ورد عن الإمام (عليه السلام) في الحديث .
وهذا الاسم ( الله ) ، هو الاسم الجامع لكل صفات الكمال ، فالتوجه إليه هو توجه إلى كل صفات وأسماء الكمال وهذا التوجه لا يخلو من الشرك في مرتبة ما ؛ لأن تمام الإخلاص في التوحيد هو نفي الأسماء والصفات كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : ( ..... أول الدين معرفته ، وكمال معرفته التصديق به ، وكمال التصديق به توحيده ، وكمال توحيده الإخلاص له ، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف ) ([1]).
وقال الكاظم (عليه السلام) : ( أول الديانة به معرفته ، وكمال معرفته توحيده ، وكمال توحيده نفي الصفات عنه ، بشهادة كل صفة أنها غير الموصـوف وشهادة الموصوف أنه غير الصفـة ) ([2]).
وقال الرضا (عليه السلام) : ( أول الديانة معرفته ، وكمال المعرفة توحيده ، وكمال التوحيد نفي الصفات عنه ، لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف ، وشهادة الموصوف أنه غير الصفة ) ([3]). فهذا الاسم ( الله ) الجامع لصفات الكمال والمشير إلى الذات هو حجاب يجب أن يسعى العبد إلى رفعه بالتحلي بصفات الكمال الإلهية ، وعندها يكشف الغطاء للعبد ليعرف الحقيقة ، وتمام معرفة الحقيقة هو العجز عن المعرفة ، فضمير الغائب المعبر عن الحقيقة أو الإسم الأعظم الأعظم الأعظم ( هو ) فالهاء لإثبات الوجود والواو لبيان غيبته فهو الشاهد الغائب سبحانه وتعالى .
أما في مرتبة ما دون الذات الإلهية أو الله أي في مراتب الخلق والتنـزل فإن مراتب التجلي أو المقامات عشرة هي : سرادق العرش الأعظم ، والعرش الأعظم ، والكرسي ، ثم العرش العظيم ، وفيه سبع مراتب أو مقامات هي السماوات السبعة تنـزلاً من السابعة إلى السماء الأولى أو الدنيا .
وخير خلق الله محمد (صلى الله عليه وآله) يمتد بصفحة وجوده من سرادق العرش الأعظم إلى السماء الدنيا ، فأول مراحل التجلي هي : النقطة الأولى ( البرزخ ) أو سرادق العرش الأعظم ، ثم مرحلة التجلي الثانية هي وعاء النون أو العرش الأعظم ، ثم مرحلة التجلي الثالثة وهي وعاء الباء أو الكرسي ، ثم مرحلة التجلي الرابعة وهي النقطة الثانية في الخلق ، وجميع هذه المراحل الأربعة هي محمد (صلى الله عليه وآله) فهو نقطة النون والنون ، وهو الباء ونقطة الباء ، أو قل هو الفيض النازل من الحق إلى الخلق ، وهو أي محمداً (صلى الله عليه وآله) في المراحل الثلاث الأولى ( سرادق , العرش , الكرسي ) برزخ بين الحق والخلق فهو يخفق فساعة لا يبقى إلا الله الواحد القهار وساعة يعود إلى الأنا والشخصية ، أما في مرتبة العرش العظيم فهو مستقر في الخلق وهو عبد الله .
ويجب الالتفات إلى أن النقطة الأولى هي القرآن وهي الحجاب الذي بين محمد (صلى الله عليه وآله) وبين الله ( كان بينهما حجاب يتلألأ يخفق ) وعند الفتح ( فنظر في مثل سم الإبرة ) ([4])، قال تعالى : ﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً ﴾ ([5])، رفع هذا الحجاب بأن احتواه محمد (صلى الله عليه وآله) فأصبح القرآن ومحمد (صلى الله عليه وآله) واحداً ، وهو يخفق بين فناء فلا يبقى إلا الله الواحد القهار وبين عودة الأنا والشخصية الإنسية .
فإن عرفنا ما تقدم تبين لنا أن محمداً (صلى الله عليه وآله) هو مرتبة البرزخ بين الحق والخلق ، ولذلك توهم به لما رآه ابراهيم (عليه السلام) والملائكة وظنوا أنه الله سبحانه وتعالى ، وذلك لأنه (صلى الله عليه وآله) صورة تحاكي الذات الإلهية وتظهر اللاهوت المطلق للخلق ليعرفوا ( ..... وبطلعتك في ساعير وظهورك في جبل فاران ..... ) ([6])، وقال (صلى الله عليه وآله) : ( الله خلق آدم على صورته ) ([7]).
فهو (صلى الله عليه وآله) الله في الخلق وكذلك أهل بيته (صلى الله عليه وآله) في مرتبة دون مرتبة الرسول الأعظم صلوات الله عليه ، فهم أيضاً وجه الله وأسماء الله الحسنى ، فهم يمثلون الله في الخلق وكل منهم يؤله إليه ويقصد في قضاء الحاجات وسد النقص وبلوغ الكمال ، فهم على درجة عالية من الكمالات الإلهية ولكنها مقيدة بالحاجة والفقر لله سبحانه وتعالى ، أما ألوهيته سبحانه وتعالى فهي ألوهية مطلقة وهي كمال وغنى مطلق وعطاء وفيض غير مقيد إلا بمشيئته سبحانه وتعالى .
وقد ورد في القـرآن ما يدل على هذا المعنى ، قال تعـالى : ﴿ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ ([8])، أي إن هناك خالقين وهو سبحانه وتعالى أحسنهم وأفضلهم ، وهؤلاء هم محمد وآل محمد (صلى الله عليه وآله) ، وفي الدعاء : ( ..... يارب الأرباب وإله الآلهة ..... ) ([9]).
وكذلك ورد : ( ..... الإله الأكبر ..... ) ([10])، وهذا من أدعية السر وهي واحد وثلاثون دعاء لحوائج الدنيا والآخرة مسندة متصلة وصحيحة السند ، مذكورة في مصباح المتهجد ، ومصباح الكفعمي ، والبحار ، وذكرها الحر العاملي في الجواهر السنية .
وفي الحديث القدسي في فضلها : ( يا محمد ، قل للذين يريدون التقرب إلي إعلموا علم اليقين أن هذا الكلام أفضل ما أنتم متقربون به إلي بعد الفرائض ) ([11]).
ولا شك أن ورود الإله الأكبر في الدعاء القدسي وهو من الله سبحانه وتعالى ونظير القرآن الكريم يدل بشكل يقيني قاطع لمن أراد النص على ما قدمت ، حيث إن مخاطبة الله سبحانه وتعالى بالإله الأكبر دال على أن خلقه سبحانه يتصفون بصفة اللاهوت ؛ وذلك لأن الأكبر صفة تفضيل دالة على وجود الأقل عند ذكرها وإلا فلا معنى لورودها في الكلام ، فأفعل التفضيل أو صفات التفضيل دالة على المشاركة وزيادة كما هو بين وواضح ، وقد ذكره علماء اللغة العربية بل هو بين لكل من قرأ الدعاء وتمعن فيه .
[1]- نهج البلاغة : ج1 ص39.
[2]- الكافي : ج1 ص140.
[3]- توحيد الصدوق : ص56.
[4]- الكافي : ج1 ص442.
[5]- الفتح : 1.
[6]- دعاء السمات .
[7]- الكافي : ج1 ص134 ، توحيد الصدوق : ص103.
[8]- المؤمنون : 14.
[9]- الكافي : ج2 ص566.
[10]- الباقيات الصالحات : دعاء السفر ص815.
[11]- الجواهر السنية – الحر العاملي : ص188 ، بحار الانوار : ج83 ص279.