﴿ اللَّهُ الصَّمَدُ ﴾ :
الصمد : أي الكامل الذي ليس فيه نقص أو ثغرة أو عيب ، أي إننا في مقام تنزيه وتسبيح ألوهيته المطلقة وبيان كمالها المطلق وبالتالي فهو سبحانه المقصود من الخلق لسد النقص في صفحات وجودهم الجسمانية والملكوتية والنورية الكلية في السماء السابعة أو العقلية لمن كان له حظ فيها وكان من المقربين .
فهذا الوصف للذات الإلهية أي الصمد بيان للكمال الإلهي المطلق من خلال تنزيهه سبحانه عن النقص ، وأيضاً بيان للنقص الموجود في الخلق الذي يجعلهم يقصدونه سبحانه وتعالى ليفيض عليهم من فضله .
وهذا الوصف أي الصمد جاء بعد الأحد أي بعد أن بين طريق معرفة الحقيقة والكنه من خلال أحدية الذات وفناء الأسماء فيها ثم فنائها ، والذي أشارت إليه ﴿ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ ، فالآن بيان وتفصيل وتوضيح أن جميع الأسماء الإلهية والصفات الكمالية مطلقة منزهة عن النقص ومنطوية في الذات ويدل عليها اسم الله ، فوصفه بأنه صمد أي لا جوف فيه أي لا نقص ولا ثغرة في ساحته ، بل هو كامل من كل الجهات وحاوي لكل صفات الكمال ، ثم شمول هذا الوصف أي الصمد لمعنى السيد الكريم الذي يقصد لقضاء الحوائج للدلالة على أنه سبحانه وتعالى بكماله المطلق المنزه المسبح يقصده الخلق لسد نقائصهم ، ولقضاء حاجاتهم للدنيا والآخرة .
وهذه الآية أي الله الصمد جاءت في مرتبة تنَّـزليّة مع المتلقي ، فسورة التوحيد تبدأ من القمة ثم تتنـزل مع المتلقي في التوضيح حتى تنتهي إلى المقارنة مع الخلق ﴿ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ ﴾ ، فمن الحقيقة والكنه وفناء الذات الإلهية ﴿ قُلْ هُوَ ﴾ إلى أحدية الذات وفناء الأسماء فيها ﴿ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ إلى وصف الذات الإلهيـة بأنها الكامل المطلق الذي لا نقص فيه المقصود لقضـاء الحوائج ﴿ اللَّهُ الصَّمَدُ ﴾ .
( الله الصمد ) : الصمد وكما بينت الكامل المقصود لقضاء الحوائج وسد النقص ، فالصمد بيان للكمال المطلق بتسبيحه وتنزيهه سبحانه ، فإذا كانت الأسماء والصفات الإلهية تمثل جهات الكمال الإلهية المقصودة ، وكل صفة أو إسم بحسبه تمثل جهة من جهات الكمال تقصد من الخلق ومنها يفاض على الخلق ، تبين أن جميع الأسماء والصفات منطوية تحت هذه الصفة أو الاسم أي الصمد ، فلو توسعنا في الحديث في الصمد فالأمر سيطول لأننا نحتاج للمرور على جميع الأسماء والصفات الموجودة في دعاء الجوشن الكبير على الأقل ، وهذا أتركه لمن فهم وأدرك ما قدمت فالإمام الصـادق (عليه السلام) يقول : ( إنما علينا أن نلقي إليكم الأصول وعليكم أن تفرعوا ) ، والإمـام الرضا (عليه السلام) يقول : ( علينا القاء الأصول وعليكم التفريع ) ([1]). وأرجو من الله أن يوفق الأخوة من طلبة الحوزة العلمية من أنصار الإمام المهدي (عليه السلام) للتوسع والتفصيل وتوضيح المعنى بشكل مبسط للناس .
وأظن أني قد مررت على الصمد في المتشابهات وربما كان به بعض الفائدة لمن قرأه ، وأذكر نفسي وأذكركم بحديث الإمام الباقر (عليه السلام) حيث قال (عليه السلام) : ( لو وجدت لعلمي الذي آتاني الله عز وجل حملة لنشرت التوحيد والإسلام والإيمان والدين والشرائع من الصمد ، وكيف لي بذلك ولم يجد جدي أمير المؤمنين (عليه السلام) حملة لعلمه ، حتى كان يتنفس الصعداء ويقـول على المنبر : ( سلوني قبل أن تفقدوني ، فإن بين الجوانح مني علماً جماً ، هاه هاه ألا لا أجد من يحملـه ، ألا وإني عليكم من الله الحجة البالغة ) ([2]).
[1]- الحدائق الناضرة - المحقق البحراني : ج1 ص133.
[2]- التوحيد – الشيخ الصدوق : ص92 – 93.