بسم الله الرحمن الرحيم
لماذا هذا الكتاب
سبحانه وتعالى أن تكون الألوهية أو الربوبية كنهه وحقيقته ، بل هما صفاته سبحانه وتعالى فهو الله الذي يأله له الخلق ليكملوا ويدفعوا النقص عن صفحات وجودهم ، وهو الرب الذي يفيض على خلقه الكمال ويسد نقصهم .
ولكن أبداً ليست الألوهية أو الربوبية هي كنهه وحقيقته ، بل هو سبحانه وتعالى تجلى لخلقه الفقراء بالكمال المطلق ، فكان هو الإله المطلق - الله سبحانه وتعالى - الذي يألهون إليه لسد نقصهم ، وتجلى لخلقه الفقراء بالربوبية ، فأفاض على نقصهم الكمال ليعرفوه ويعبدوه ، فالعبادة دون معرفة فارغة عن المعنى فضلا عن الحقيقة .
وبما أنّ غاية معرفة الحقيقة هو : معرفة العجز عن معرفة الحقيقة ، فقد تجلى سبحانه وتعالى لخلقه بالألوهية التي هي الكمال المطلق المواجه لنقصهم ، والذي يحثهم على التألّه إليه ، وبالتالي تحصيل المعرفة في هذه المرتبة التي تؤهلهم إلى معرفة العجز عن المعرفة في مرتبة الحقيقة .
فالألوهية غنى وكمال مقابل للفقر يدفع الفقراء أن يألهون إليه ليفيض عليهم الكمال ، فيعرفونه بالألوهية وهم يألهون إليه ويعرفونه بالربوبية وهو يفيض عليهم الكمال ، إنّ عدم التمييز بين الألوهية وبين الحقيقة جعل الأمور تختلط على كثير ممن يدعون العلم والمعرفة ، هذا فضلاً عن أنّ كثيراً من هؤلاء لا يكادون يميزون بين الألوهية والربوبية ، حتى نجد اليوم وبوضوح تام عجز من يدعون أنهم علماء الإسلام طوال أكثر من ألف عام عن بيان معنى لقوله تعالى : ﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ ﴾ ([1]).
فهم بين من يضيف كلمة للآية ويحرفها بهواه وكأنّه سبحانه كان عاجزاً تعالى علواً كبيراً عن إضافة هذه الكلمة ([2]) ، وبين من يقول بجواز الإتيان على الله سبحانه وتعالى ([3])، وهكذا هم كحاطب ليل لا يعلم أين يقع فأسه ، فهم بين نارين نار : أن يقولوا بأن الله يأتي ويذهب ، فينزلوه منزلة المخلوق المحتاج للمكان والحيز أو وسط الانتقال ، وبين أن ينفوا عنه الإتيان والذهاب بتحريف الآية وادعاء أن هناك محذوفاً فيها ، وبهذا فهم يحرفون الكلم من بعد مواضعه وعن مواضعه دون خوف منه سبحانه ويا لها من جرأة .
أما المسيحيون ، فقد جعلوا الآتي على السحاب المذكور في التوراة والإنجـيل ([4]) هو عيسـى (عليه السلام) ، واعتبروا أن عيسى (عليه السلام) هو الله سبحانه وتعالى .
وجعلوا اللاهوت المطلق تجسد بجسد في هذا العالم ، وبهذا أعلنوا فقره وحاجته ونقضوا ألوهيته المطلقة تعالى الله علواً كبيراً .
من هنا كانت ضرورة كتابة هذا الكتاب لأنّه يبين العقيدة الحقة في اللاهوت التي يرضاها الله سبحانه وتعالى ، كما وأرجو من الله أن يكون هذا الكتاب سبباً لهداية كثير من خلقه بعد أن أضاعهم من يجهلون الحقيقة ويدعون أنهم علماء .
وأرجو من الله سبحانه وتعالى أن يكون في هذا الكتاب خير وبركة وزيادة في هدى ونقص من ضلال لكل من يقرأه ، وأن يعم نفعه ، وقد حاولت ما مكنني ربي أن أجعله مختصراً وفي متناول الجميع ولا يصعب على أحد من الناس فهمه .
أحمد الحسن
[1]- البقرة : 210.
1- القول بأن هناك مضافاً محذوفاً غير صحيح ، ويكفي أن نسأل عن المضاف إليه المرفوع في هذه الآية فهل يصح عندهم رفع المضاف إليه كما هو الحال في الآية أعلاه ؟ وهل هم يقولون عند إعراب الآية بأن الله مضاف إليه مجرور والمضاف محذوف تقديره أمر مثلا ؟ وبماذا يعللون رفع كلمة الله غير أنها فاعل فعل " أتى " ؟
وأيضاً يكفي فقط أن نسأل : هل يصح من حكيم أن يحذف المضاف إذا كان في موضع متشابه ويسبب انحرافاً في عقيدة التوحيد ؟ وهل العرب يحذفون في مواضع الشبه ؟ في الحقيقة أسئلة كثيرة ومحرجة لمن يقول بأنّ هناك محذوفاً تجعله في زاوية ضيقة ، ولا يمكنه حتى تعليل قوله ضمن حدود ما هو ملتزم به من قواعد النحو فضلاً عن أنّ هذه القواعد في أحسن أحوالها سنقول عنها إنها إستقرائية وبشرية ، وهو يحاول أن يخضع القرآن وهو كلام الله سبحانه لها ، ولعل من المناسب أيضاً نقل قول إمام فقهاء السنة والشيعة الحاليين في هذا الأمر وهو الجرجاني والنظر فيه ، وهل يمكن انطباقه على الحال هنا في هذه الاية ليقال إن هناك محذوفاً ؟ فقد فقال الجرجاني : ( القول في الحذف هو باب دقيق المسلك لطيف المأخذ عجيب الأمر شبيه بالسحر، فإنك ترى به ترك الذكر أفصح من الذكر، والصمت عن الإفادة أزيد للإفادة ، وتجدك أنطق ما تكون إذا لم تنطق ، وأتم ما تكون بياناً إذا لم تبن ) دلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني .
أما التأويل ، أي أن يقول أحد إنّ الله هنا بمعنى أمر الله وليس أن هناك محذوفا ، فيأتي السؤال هنا : وهل يجوز إطلاق كلمة الله على غيره سبحانه وتعالى حتى إنها هنا أطلقت على أمره ؟ فإذا كان هذا الأمر ممكناً في اللغة فلماذا لا يكون المراد بكلمـة الله هنا عبد الله وليس أمر الله ، أي أن يكون المراد هو محمـد (صلى الله عليه وآله) ، فالسؤال يكون ما هو أمر الله أو عبد الله ؟ ومن هو أمر الله أو عبد الله الذي سمي بالله ؟ وحمل اسم الله ؟ ولماذا حمل هذا الاسم ؟ وهذا هو ما سأحاول أن أبين بعضه في هذا الكتاب .
[3]- قال ابن جبرين وهو من كبار متكلمي (علماء العقائد ) الوهابية : ( ونحن نقول : لا يلزم من إتيان أمر الله في آيات امتناع إتيان الله - تعالى - في آية أخرى ، وإذا أثبتنا لله الإتيان قلنا : يجيء كما يشاء ) تعليق ابن جبرين على كتاب لمعة الإعتقاد لابن قدامة المقدسي .
[4]- وفي القرآن أيضاً قال تعالى : ( هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ ) البقرة : 210.
وفي الإنجيل : ( .... فسأله رئيس الكهنة أيضاً وقال له : أأنت المسيح ابن المبارك . 62 فقال يسوع أنا هو . وسوف تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة وآتيا في سحاب السماء . 63 فمزق رئيس الكهنة ثيابه وقال ما حاجتنا بعد إلى شهود . 64 قد سمعتم التجاديف . ما رأيكم . فالجميع حكموا عليه أنه مستوجب الموت . 65..... ) مرقس الاصحاح 14.
وفي التوراة : ( 1 الرب قد ملك فلتبتهج الأرض ولتفرح الجزائر الكثيرة . 2 السحاب والضباب حوله . العدل والحق قاعدة كرسيه . 3 قدامه تذهب نار وتحرق أعداءه حوله . 4 أضاءت بروقه المسكونة . رأت الأرض وارتعدت . 5 ذابت الجبال مثل الشمع قدام الرب قدام سيد الأرض كلها . 6 أخبرت السموات بعدله ورأى جميع الشعوب مجده 7 يخزى كل عابدي تمثال منحوت المفتخرين بالأصنام . اسجدوا له يا جميع الآلهة . 8 سمعت صهيون ففرحت وابتهجت بنات يهوذا من أجل أحكامك يا رب . 9 لأنت أنت يا رب علي على كل الأرض . علوت جدا على كل الآلهة 10 يا محبي الرب أبغضوا الشر . هو حافظ نفوس أتقيائه . من يد الأشرار ينقذهم . 11 نور قد زرع للصديق وفرح للمستقيمي القلب . 12 افرحوا أيها الصديقون بالرب واحمدوا ذكر قدسه ) مزامير - 97 ، وتجد تفصيلا أكثر في الملحق رقم (4) .