الثمرة الثانية
كثير من الناس يعتذرون ويقولون :باننا مارسنا الفكر الديمقراطي باذن مراجعنا فنحن معذورين امام الله تبارك وتعالى وكما يقول المثل :
(ذبهه براس عالم واطلع منه سالم) !!!.
وللاجابة على هذا الاشكال نذكر عدة نقاط :_
النقطة الاولى :-
ما هو المقصود بالعالم؟، ولمعرفة المعنى الحقيقي لهذا المصطلح ينبغي ان نرجع الى كلام العترة الطاهرة فهم العين الصافية التي لايشوبها كدر.
عن الرضا (ع) : ((... فقلت له يابن رسول الله فقد روى لنا عن ابي عبد الله (ع) انه قال : (من تعلم علماً ليماري به السفهاء او يباهي العلماء به اوليقبل بوجوه الناس اليه فهو في النار)) فقال عليه السلام : صدق جدي، افتدري من السفهاء ؟ فقلت :لا،يابن رسول الله،فقال هم قصّاص من مخالفينا، وتدري من العلماء قلت :لا ياابن رسول الله، قال :فقال : هم علماء ال محمد (ع) الذين فرض الله عز وجل طاعتهم واوجب مودتهم....)) [62]
عن جميل عن ابي عبدالله (ع) قال سمعته يقول : ((يغدوا الناس ثلاثة اصناف : عالم ومتعلم وغثاء،فنحن العلماء وشيعتنا المتعلمون وسائر الناس غثاء))[63].
عن ابي عبد الله (ع) : ((والله لو علم ابو ذر ما في قلب سلمان لقتله ولقد آخى رسول الله (ص) بينهما،فما ضنكم بسائر الخلق، أن علم العلماء صعب مستصعب لا يتحمله الا نبي مرسل او ملك مقرب اوعبد امتحن الله قلبه للايمان،فقال : وانما صار سلمان من العلماء لانه امرؤ منا اهل البيت،فلذلك نسبته للعلماء))[64]
اذن فالعلماء الحقيقيون والذين هم حجة الله على الخلق هم اهل البيت (ع)،خاصة وهم الذين فرض الله طاعتهم دون غيرهم،واما سائر الناس من اهل العلم فهم المتعلمون واذا اطلق عليهم صفة العلماء فهو نسبة للعلم الذي تعلموه ولا يجب على الناس طاعتهم ولايكونون حجة على الناس لأنهم غير معصومين،وسنبحث ذلك في النقطة التالية...
النقطة الثانية :-
قد تبين من النقطة الاولى ان صفة (العالم) تطلق على معنيين ، فتارة تطلق ويراد بها العالم الذي يجب طاعته وتحرم معصيتة ، وهو حجة الله على الناس وهو الإمام المعصوم من اهل البيت (ع) وتطلق تارة اخرى ويراد منها العالم المتعلم _ أي الذي يكون علمه اكتسابي - وهذا القسم لايكون حجة على الناس ولا تجب طاعته لأنه غير معصوم،اللهم الا ان يكون ناقلاً لأحاديث المعصوم فتكون الطاعة لقول المعصوم لا لذات العالم نفسه. وهذا المعنى مانص عليه القران والسنة المطهرة:-
عن ابي عبدالله(ع) قال : (نحن الراسخون في العلم ونحن نعلم تأًويلة) [65]
عن عبد الرحمن بن كثير قال : قلت لابي عبد الله(ع) : (فاسألوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون) قال : الذكر محمد (ص) ونحن أهله المسؤولون …)[66]
عن أمير المؤمنين (ع) (…. ورجلا آتاه الله سلطانا فزعم أن طاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله وكذب لانه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق،لا ينبغي أن يكون المخلوق حبه لمعصية الله فلا طاعة في معصيته ولا طاعة لمن عصي الله أنما الطاعة لله ولرسوله لأنه معصوم مطهر لا يأمر بمعصية وأنما أمر بطاعة أولي الأمر لأنهم معصومون مطهرون لا يأمرون بمعصية)[67]
عن أمير المؤمنين (ع) في وصية لكميل ابن زياد :((… يا كميل هي نبوة ورسالة وإمامة وليس بعد ذلك ألا موالين متبعين،أو منادين مبتدعين، أنما يتقبل الله من المتقين، يا كميل لا تأخذ ألا عنا تكن منا …))[68].
عن ابي جعفر (ع) :((… ولا يفرض الله تعالى على عباده طاعة من يعلم أنه يغويهم ويضلهم ولا يختار لرسالته ولا يصطفي من عباده من يعلم أنه يكفر به ويعبد الشيطان دونه ولا يتخذ على عباده ألا معصوما))[69].
عن أبي جعفر (ع) ((نحن أولي الذكر ونحن أولو العلم وعندنا الحلال والحرام))[70].
فيتبين لنا من هذه الأحاديث الشريفة أن الله لا يأمر بالطاعة إلا للمعصوم وأنه أمر بطاعة الرسول (ص) والأئمة (ع) لهذه العلة، والعلماء من غير الأئمة (ع) غير معصومين اذن لا تجب طاعتهم وخصوصاً اذا كانت مخالفة للقرآن وللسنة المطهرة. وقضية الأنتخابات وممارسة الفكر الديمقراطي مخالفة للقرآن و السنة المطهرة فلا تكون مشروعة حتى وأن أمر بها العلماء، قال تعالى :
(… أفمن يهدي للحق أحق ان يتبع أمن لا يهدي ألا ان يهدى فما لكم كيف تحكمون).
النقطة الثالثة :-
بعد التـنـزل وبغض النظر عن أي شيء آخر ، فأن قضية الأمامة والحكم من الأمور العقائدية وقد بين لنا الله تعالى والرسول محمد (ص) والأئمة الأطهار (ع) بأن التقليد غير جائز في العقائد بل هذا ما عليه اجماع المسلمين من شيعة وسنة، فكيف يحق للناس الرجوع بهذه المسائل الى الفقهاء؟!!!.
والى هذا المعنى أشار السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر (قد) بقوله (… ومن هنا، كان الإيمان بالعقائد الأسلامية بالنسبة الى الفرد الأعتياي، أبعد من الحس، يحتاج الى صدر أرحب ووجدان أخصب وتعب في الفحص والتفكير أكثر … خاصة بعد الحكم الأسلامي، وتاكيد القرآن على عدم جواز التقليد في العقيدة، وشجب أتباع الآباء والمربين بدون برهان، بل لابد للفرد أن يأخذ بزمام عقيدته بنفسه ويؤمن بها عن وعي واقتناع)[71].
قال تعالى : ((وقالوا ربنا أنا أطعنا ساداتنا وكبرائنا فأضلونا السبيل)) الأحزاب : 67 .
وقال تعالى : (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) التوبة:31.
وقال تعالى حكاية عن المكذبين للرسل (بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ) الزخرف:22
عن ضريس عن أبي عبد الله (ع) في قول الله عز وجل : (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) قال : شرك طاعة وليس شرك عبادة، وعن قوله عزوجل: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) قال : أن الآية تنزل في الرجل ثم تكون في أتباعه ، قال : قلت : كل من نصب دونكم شيئاً فهو ممن يعبد الله على حرف ؟ فقال: نعم وقد يكون محضاً)[72]
عن أبي عبد الله (ع) في قول الله عز وجل : (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) فقال : والله ما صاموا لهم، ولا صلوا لهم، ولكن أحلوا لهم حراما وحرموا عليهم حلالا فاتبعوهم)[73].
عن أبي جعفر(ع) قال: (لا تتخذوا من دون الله وليجة) فلا تكونوا مؤمنين، فأن كل سبب ونسب وقرابة وليجة وبدعة وشبهة منقطع ألا ما أثبته القرآن))[74].
وبعد هذا تبين أن قضية الإمامة سواء كانت الدينية أو الدنيوية من العقائد والعقائد لا يجوز التقليد فيها فلا يمكن اتباع الفقهاء في هكذا مسائل.
وأعتذر عن الأختصار في هذه الثمرة من هذا الغصن لأني سوف أفرد غصناً خاصاً لمناقشة موضوع العلماء ان شاء الله تعالى وسنبين هل أن طاعتهم واجبة دائما أم لا. وسأناقش كل الروايات التي تخص ذكر العلماء. ومنها الروايات التي تشير الى أن (العلماء ورثة الأنبياء) والتي حاول البعض تطبيقها على غير الأئمة (ع) والحق أنها في الأئمة المعصومين خاصة. وسأناقش أيضا الرواية التي تقول (الفقهاء أمناء الرسل) والتي تنقل غالبا مبتورة عن آخرها لأن فيه ذم للعلماء الذين يتبعون السلطان، أو يميلون أليه،وهي هكذا : عن أبي عبد الله (ع) قال:قال رسول الله (ص) : (الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا، قيل له : يا رسول الله وما دخولهم في الدنيا ؟ قال: اتباع السلطان، فاذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم)[75]. والحمد لله فأن أغلب فقهاء آخر الزمان قد اتبعوا السلطان وجوزوا له حكمه وتسلطه على الناس، بل الطامة الكبرى أنهم اتبعوا الغرب الكافر وأوجبوا على الناس ممارسة فكره الشيطاني (الفكر الديمقراطي) المخالف للقرآن والسنة المطهرة !!!