بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين مالك الملك مجري الفلك مسخر الرياح فالق الإصباح ديّان الدين رب العالمين الحمد لله الذي من خشيته ترعد السماء وسكانها وترجف الأرض وعمّارها وتموج البحار ومن يسبح في غمراتها .
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد الفلك الجارية في اللجج الغامرة يأمن من ركبها ويغرق من تركها المتقدم لهم مارق والمتأخر عنهم زاهق واللازم لهم لاحق .
أولاً :-
قول السيد الحسني ( الثابت بالدليل الشرعي إن مبدأ الاجتهاد والتقليد هو من المبادئ الفطرية والوجدانية العقلائية الإنسانية …) .
ويرد عليه :- إن الاجتهاد عند الأصوليين - الذي يكون الدليل العقلي أحد أدلته – الدليل عليه عقلي فقط ولا يوجد عليه دليل شرعي قطعي السند والدلالة قط . وهذا ما صرح به كثير من علماء الشيعة ومنهم الأصوليون أنفسهم ، وسنذكر بعض آراء العلماء بخصوص هذا الموضوع :- وسنضطر للإطالة لأهمية الكلام :
قول المحدث الخبير ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني صاحب كتاب الكافي :-
- · ( … فأحق ما أقتبسه العاقل ، والتمسه المتدبر الفطن ، وسعى له الموفق المصيب ، العلم بالدين ، ومعرفة ما استعبد الله به خلقه من توحيده ، وشرائعه وأحكامه ، وأمره ونهيه وزواجره وآدابه ، إذ كانت الحجة ثابتة ، والتكليف لازماً ، والعمر يسيراً ، والتسويف غير مقبول ، والشرط من الله جل ذكره فيما استعبد به خلقه أن يؤدوا جميع فرائضه بعلم ويقين وبصيرة ، ليكون المؤدي لها محموداً عند ربه ، مستوجباً لثوابه ، وعظيم جزائه ، لأن الذي يؤدي بغير علم وبصيرة ، لا يدري ما يؤدي ، ولا يدري إلى من يؤدي ، وإذا كان جاهلاً لم يكن على ثقة مما أدى ، ولا مصدقاً ، لأن المصدق لا يكون مصدقاً حتى يكون عارفاً بما صدّق به من غير شك ولا شبهة ، لأن الشاك لا يكون له من الرغبة والرهبة والخضوع والتقرب مثل ما يكون من العالم المستيقن ، وقد قال الله عز وجل :( إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) فصارت الشهادة مقبولة لعلة العلم بالشهادة ، ولولا العلم بالشهادة ، لم تكن الشهادة مقبولة ، والأمر في الشاك المؤدي بغير علم وبصيرة ، إلى الله جل ذكره ، إن شاء تطّول عليه فقبل عمله ، وإن شاء رد عليه ، لأن الشرط عليه من الله أن يؤدي المفروض بعلم وبصيرة ويقين ، كي لا يكون ممن وصفه الله فقال تبارك وتعالى
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) لأنه كان داخلاً فيه بغير علم ولا يقين ، فلذلك صار خروجه بغير علم ولا يقين ، وقد قال العالم (ع) : ( من دخل في الإيمان بعلم ثبت فيه ، ونفعه إيمانه ، ومن دخل فيه بغير علم خرج منه كما دخل فيه ) .
وقال (ع) : ( من أخذ دينه من كتاب الله وسنة نبيه صلوات الله عليه وآله زالت الجبال قبل أن يزول ومن أخذ دينه من أفواه الرجال ردته الرجال ) .
وقال (ع) : ( من لم يعرف أمرنا من القرآن لم يتنكب الفتن ) .
ولهذه العلة انبثقت على أهل دهرنا بثوق هذه الأديان الفاسدة ، والمذاهب المستشنعة التي قد استوفت شرائط الكفر والشرك كلها ، وذلك بتوفيق الله تعالى وخذلانه ، فمن أراد الله توفيقه وأن يكون إيمانه ثابتاً مستقراً ، سبب له الأسباب التي تؤديه إلى أن يأخذ دينه من كتاب الله وسنة نبيه صلوات الله عليه وآله بعلم ويقين وبصيرة ، فذاك أثبت في دينه من الجبال الرواسي ، ومن أراد الله خذلانه وأن يكون دينه معاراً مستودعاً - نعوذ بالله منه - سبب له أسباب الاستحسان والتقليد والتأويل من غير علم وبصيرة ، فذاك في المشيئة إن شاء الله تبارك وتعالى أتم إيمانه ، وإن شاء سلبه إياه ، ولا يؤمن عليه أن يصبح مؤمناً ويمسي كافراً ، أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً ، لأنه كلما رأى كبيراً من الكبراء مال معه ، وكلما رأى شيئاً استحسن ظاهره قبله …) انتهى . أصول الكافي ج1 ص21
(من مقدمة الكتاب).
أقول إن الشيخ الكليني هو المسمى بـ (ثقة الإسلام ) ، وهو معروف بالعلم والورع والتقوى وهو معاصر لزمن النصوص الشرعية أي انه عاصر السفير الرابع للإمام المهدي (ع) علي بن محمد السمري (عليه السلام) فيكون هو أدق في معرفة طريق أهل البيت (ع) وتمييز الخطأ والصواب . ومن المعلوم إن كتابه المعروف بـ (الكافي) هو أوثق الكتب الأربعة التي تعتبر الركيزة الأساسية لمذهب الشيعة (أيدهم الله تعالى) ولا يجرؤ أحد على الطعن في وثاقته إلا إذا كان من أهل الحقد والتعصب ضد الحق وأهله ، وأحد الذين اثنوا على صحة روايات كتاب الكافي هو المحقق النائيني (رحمه الله) حيث قال ما معناه (المناقشة في سند روايات الكافي حرفة العاجز …) .
- · قول المحدث المتبحر المحقق الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي صاحب (وسائل الشيعة):-
حيث قال بعد ذكره للروايات المتواترة التي تنص على عدم جواز العمل بالرأي والاجتهاد وبعد ذكره للرواية التي تقول ( … فأما من كان من الفقهاء ، صائناً لنفسه ، حافظاً لدينه مخالفاً على هواه ، فللعوام أن يقلدوه ، وذلك لا يكون إلا بعض فقهاء الشيعة لا كلهم … ).
- · فعلق على هذه الرواية بقوله : ( أقول : التقليد المرخص فيه هنا إنما هو قبول الرواية لا قبول الرأي والاجتهاد والظن وهذا واضح ، وذلك لا خلاف فيه ، ولا ينافي ما تقدم وقد وقع التصريح بذلك فيما أوردناه من الحديث وفيما تركناه منه في عدة مواضع ، على أن هذا الحديث لا يجوز عند الأصوليين الاعتماد عليه في الأصول ولا في الفروع ، لأنه خبر واحد مرسل ، ظني السند والمتن ضعيفا عندهم ، ومعارضه متواتر ، قطعي السند والدلالة ، ومع ذلك يحتمل الحمل على التقية )) . انتهى وسائل الشيعة ج 18 ص 95.
- · علي بن إبراهيم في تفسيره عند قوله تعالى
(وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ) قال : قال أبو عبد الله (ع) نزلت في الذين غيروا دين الله وتركوا ما أمر الله ، ولكن هل رأيتم شاعراً قط يتبعه أحد ، إنما عنى بهم الذين (وضعوا) ديناً بآرائهم فتبعهم الناس على ذلك – إلى أن قال :(إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات) وهم أمير المؤمنين (ع) وولده (ع) .
- · تعليق الشيخ الجليل محمد بن إبراهيم بن جعفر الكاتب النعماني صاحب كتاب (الغيبة) المتوفي سنة 360 هـ 971م على أصحاب الرأي والقياس والاجتهاد …
(…ثم أعجب من هذا ادعاء هؤلاء الصم العمي أنه ليس في القرآن علم كل شيء من صغير الفرائض و كبيرها و دقيق الأحكام و السنن و جليلها و أنهم لما لم يجدوه فيه احتاجوا إلى القياس و الاجتهاد في الرأي و العمل في الحكومة بهما و افتروا على رسول الله (ص) الكذب و الزور بأنه أباحهم الاجتهاد و أطلق لهم ما ادعوه عليه لقوله لمعاذ بن جبل و الله يقول:
(وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ)
ويقول: (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) .
ويقول: (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ)
ويقول: (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً ) .
ويقول (قل إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ) . ويقول ( وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ) فمن أنكر أن شيئا من أمور الدنيا و الآخرة و أحكام الدين و فرائضه و سننه و جميع ما يحتاج إليه أهل الشريعة ليس موجودا في القرآن الذي قال الله تعالى فيه (تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) فهو راد على الله قوله و مفتر على الله الكذب و غير مصدق بكتابه.
ولعمري لقد صدقوا عن أنفسهم و أئمتهم الذين يقتدون بهم في أنهم لا يجدون ذلك في القرآن لأنهم ليسوا من أهله و لا ممن أوتي علمه و لا جعل الله و لا رسوله لهم فيه نصيبا بل خص بالعلم كله أهل بيت الرسول ص الذين آتاهم العلم و دل عليهم الذين أمر بمسألتهم ليدلوا على موضعه من الكتاب الذي هم خزنته و ورثته و تراجمته. و لو امتثلوا أمر الله عز و جل في قوله:
(وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) .
وفي قوله : ( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)
لأوصلهم الله إلى نور الهدى و علّمهم ما لم يكونوا يعلمون و أغناهم عن القياس و الاجتهاد بالرأي و سقط الاختلاف الواقع في أحكام الدين الذي يدين به العباد و يجيزونه بينهم و يدعون على النبي ص الكذب أنه أطلقه و أجازه و القرآن يحظره و ينهى عنه حيث يقول جل و عز: ( وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) .
ويقول: ( وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَ اخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ)
ويقول: (وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا)
وآيات الله في ذم الاختلاف و الفرقة أكثر من أن تحصى و الاختلاف و الفرقة في الدين هو الضلال و يجيزونه و يدّعون على رسول الله ص أنه أطلقه و أجازه افتراء عليه و كتاب الله عز و جل يحظره و ينهى عنه بقوله: (وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَ اخْتَلَفُوا) . انتهى كلامه أعلى الله مقامه . غيبة النعماني ص56 .